تفسير ابن كثر - سورة المائدة - الآية 64

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) (المائدة) mp3
يُخْبِر تَعَالَى عَنْ الْيَهُود عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه الْمُتَتَابِعَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بِأَنَّهُمْ وَصَفُوهُ تَعَالَى عَنْ قَوْلهمْ عُلُوًّا كَبِيرًا بِأَنَّهُ بَخِيل كَمَا وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ فَقِير وَهُمْ أَغْنِيَاء وَعَبَّرُوا عَنْ الْبُخْل بِأَنْ قَالُوا " يَد اللَّه مَغْلُولَة " قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الطِّهْرَانِيّ حَدَّثَنَا حَفْص بْن عُمَر الْعَدَنِيّ حَدَّثَنَا الْحَكَم بْن أَبَان عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَغْلُولَة أَيْ بَخِيلَة وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة : عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة قَالَ لَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَد اللَّه مُوثَقَة وَلَكِنْ يَقُولُونَ بَخِيل يَعْنِي أَمْسَكَ مَا عِنْده بُخْلًا تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْلهمْ عُلُوًّا كَبِيرًا وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَالضَّحَّاك وَقَرَأَ " وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك وَلَا تَبْسُطهَا كُلَّ الْبَسْط فَتَقْعُد مَلُومًا مَحْسُورًا " يَعْنِي أَنَّهُ يَنْهَى عَنْ الْبُخْل وَعَنْ التَّبْذِير وَهُوَ زِيَادَة الْإِنْفَاق فِي غَيْر مَحَلّه وَعَبَّرَ عَنْ الْبُخْل بِقَوْلِهِ " وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك " وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه وَقَدْ قَالَ عِكْرِمَة إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي فِنْحَاص الْيَهُودِيّ عَلَيْهِ لَعْنَة اللَّه وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الَّذِي قَالَ إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء فَضَرَبَهُ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ سَعِيد أَوْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَجُل مِنْ الْيَهُود يُقَال : لَهُ شَاس بْن قَيْس إِنَّ رَبّك بَخِيل لَا يُنْفِق فَأَنْزَلَ اللَّه وَقَالَتْ الْيَهُود : " يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْف يَشَاء " وَقَدْ رَدَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ مَا قَالُوهُ وَقَابَلَهُمْ فِيمَا اِخْتَلَقُوهُ وَافْتَرَوْهُ وَائْتَفَكُوهُ فَقَالَ" غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا " وَهَكَذَا وَقَعَ لَهُمْ فَإِنَّ عِنْدهمْ مِنْ الْبُخْل وَالْحَسَد وَالْجُبْن وَالذِّلَّة أَمْرًا عَظِيمًا كَمَا قَالَ تَعَالَى " أَمْ لَهُمْ نَصِيب مِنْ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة " الْآيَة ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْف يَشَاء " أَيْ بَلْ هُوَ الْوَاهِب الْفَضْل الْجَزِيل الْعَطَاء الَّذِي مَا مِنْ شَيْء إِلَّا عِنْده خَزَائِنه وَهُوَ الَّذِي مَا بِخَلْقِهِ مِنْ نِعْمَة فَمِنْهُ وَهُوَ لَا شَرِيك لَهُ الَّذِي خَلَقَ لَنَا كُلّ شَيْء مِمَّا نَحْتَاج إِلَيْهِ فِي لَيْلنَا وَنَهَارنَا وَحَضَرِنَا وَسَفَرنَا وَفِي جَمِيع أَحْوَالنَا كَمَا قَالَ " وَآتَاكُمْ مِنْ كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَان لَظَلُومٌ كَفَّار" وَالْآيَات فِي هَذَا كَثِيرَة وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا عُمَر عَنْ هَمَّام بْن مُنَبِّه قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ يَمِين اللَّه مَلْأَى لَا يَغِيضهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينه قَالَ وَعَرْشه عَلَى الْمَاء وَفِي يَده الْأُخْرَى الْفَيْض يَرْفَع وَيَخْفِض وَقَالَ يَقُول اللَّه تَعَالَى أَنْفِقْ أُنْفِق عَلَيْك " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ الْبُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَنْ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَمُسْلِم فِيهِ عَنْ مُحَمَّد بْن رَافِع كِلَاهُمَا عَنْ عَبْد الرَّزَّاق بِهِ وَقَوْله تَعَالَى " وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا " أَيْ يَكُون مَا أَتَاك اللَّه يَا مُحَمَّد مِنْ النِّعْمَة نِقْمَةً فِي حَقّ أَعْدَائِك مِنْ الْيَهُود وَأَشْبَاههمْ فَكَمَا يَزْدَاد بِهِ الْمُؤْمِنُونَ تَصْدِيقًا وَعَمَلًا صَالِحًا وَعِلْمًا نَافِعًا يَزْدَاد بِهِ الْكَافِرُونَ الْحَاسِدُونَ لَك وَلِأُمَّتِك طُغْيَانًا وَهُوَ الْمُبَالَغَة وَالْمُجَاوَزَة لِلْحَدِّ فِي الْأَشْيَاء وَكُفْرًا أَيْ تَكْذِيبًا كَمَا قَالَ تَعَالَى " قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانهمْ وَقْر وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَان بَعِيد " وَقَالَ تَعَالَى " وَنُنَزِّل مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيد الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا " وَقَوْله تَعَالَى " وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَجْتَمِع قُلُوبهمْ بَلْ الْعَدَاوَة وَاقِعَة بَيْن فِرَقهمْ بَعْضهمْ فِي بَعْض دَائِمًا لِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى حَقّ وَقَدْ خَالَفُوك وَكَذَّبُوك وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ " وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء " قَالَ الْخُصُومَات وَالْجِدَال فِي الدِّين رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَوْله كُلَّمَا " أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه " أَيْ كُلَّمَا عَقَدُوا أَسْبَابًا يَكِيدُونَك بِهَا وَكُلَّمَا أَبْرَمُوا أُمُورًا يُحَارِبُونَك بِهَا أَبْطَلَهَا اللَّه وَرَدَّ كَيْدهمْ عَلَيْهِمْ وَحَاقَ مَكْرُهُمْ السَّيِّئ بِهِمْ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا" وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ " أَيْ مِنْ سَجِيَّتهمْ أَنَّهُمْ أَئِمَّة يَسْعَوْنَ فِي الْإِفْسَاد فِي الْأَرْض وَاَللَّه لَا يُحِبّ مَنْ هَذِهِ صِفَته .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • مناظرة بين الإسلام والنصرانية

    مناظرة بين الإسلام والنصرانية : هذا الكتاب عبارة عن نص مكتوب لمناظرة أجريت بين نخبة من علماء المسلمين بدعوة من بعض قساوسة نصارى ومبشرين في الفترة من 23/1/1401هـ إلى 29/1/1401هـ، الموافق 1/12/1980م إلى 7/12/1980م بالخرطوم، وقاموا من خلالها باستعراض تفصيلي لحقيقة العقيدة النصرانية المسطرة في كتبهم ومناقشتها على ضوء ما يقرون به من معتقدات التثليث والصلب والفداء والأبوة والبنوة وعن الكتب المقدسة بعهديها القديم والجديد وأماطوا اللثام عن هذا التعارض والتناقض الذي تحمله هذه الأناجيل.

    الناشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض https://www.alifta.com

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/73737

    التحميل:

  • رسائل في الأديان والفرق والمذاهب

    رسائل في الأديان والفرق والمذاهب : هذا الكتاب يحتوي على دراسة لبعض الأديان، والفرق، والمذاهب؛ حيث اشتمل على أربع عشرة رسالة، وهي كما يلي: الرسالة الأولى: مقدمة في الفلسفة، الرسالة الثانية: أديان الهند وشرق آسيا، الرسالة الثالثة: اليهودية، الرسالة الرابعة: الصهيونية، الرسالة الخامسة: الماسونية، الرسالة السادسة: النصرانية، الرسالة السابعة: الاستشراق، والاحتلال العسكري، والتنصير، الرسالة الثامنة:النصيرية، الرسالة التاسعة: البابية، الرسالة العاشرة: البهائية. الرسالة الحادية عشرة: القاديانية. الرسالة الثانية عشرة: الوجودية. الرسالة الثالثة عشرة: الشيوعية. الرسالة الرابعة عشرة: العلمانية.

    الناشر: موقع دعوة الإسلام https://www.toislam.net

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/172589

    التحميل:

  • الاختلاط

    قال المؤلف: أما بعد: فهذه رسالة في «الاختلاط بين الرجال والنساء: مفهومه، وأنواعه، وأقسامه، وأحكامه، وأضراره في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة»، وقد قسمتها إلى مباحث على النحو الآتي: المبحث الأول: تعريف الاختلاط: لغة واصطلاحاً. المبحث الثاني: أنواع الاختلاط وأقسامه، وبداياته. المبحث الثالث: حكم الاختلاط وتحريم الأسباب الموصلة إليه وبيان عادة الإباحية. المبحث الرابع: الأدلة على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن. المبحث الخامس: أضرار الاختلاط ومفاسده. المبحث السادس: شبهات دعاة الاختلاط والرد عليها. المبحث السابع: الفتاوى المحققة المعتمدة في تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب.

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/364799

    التحميل:

  • أحكام تمنى الموت

    رسالة مختصرة في أحكام تمني الموت.

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/264153

    التحميل:

  • التبصرة في أحوال القبور والدار الآخرة مقتبس من القرآن والسنة المطهرة

    التبصرة في أحوال القبور والدار الآخرة مقتبس من القرآن والسنة المطهرة: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «تاقَت نفسي أن أضعَ مُصنَّفًا خاصًّا أُضمِّنُه الحديثَ عن: (أحوال القبور، واليوم الآخر، وما فيه من ثوابٍ، وعقابٍ، وجنةٍ، ونارٍ، ونعيمٍ مُقيمٍ ... إلخ). أُذكِّرُ به نفسي وإخواني المُسلمين، عملاً بقول الله تعالى: {وذكِّر فإن الذكرَى تنفعُ المُؤمِنينَ} [الذاريات: 55]. وبعد أن شرحَ الله صدري لذلك وضعتُ هذا الكتابَ، وسمَّيتُه: «التبصرة في أحوال القبور والدار الآخرة مقتبس من القرآن والسنة المطهرة». وقد اعتمدتُ في مادَّته العلمية على المصدرين الأساسيين في التشريع الإسلامي، وهما: القرآن الكريم، وسنة الهادي البشير - صلى الله عليه وسلم -».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن https://www.mehesen.com

    المصدر: https://www.islamhouse.com/p/385223

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة